"الراب تحت القبة: حين يتحول البرلمان إلى منبر فني لنقد الواقع الصحي بالمغرب"
في مشهد غير مألوف داخل قبة البرلمان المغربي، اختار النائب محمد أوزين عن الفريق الحركي أن يُحدث صدمة إعلامية وسياسية على حد سواء، عندما استعان بكلمات أغنية من موسيقى "الراب" ليصف بها الواقع الصحي في المملكة، وذلك أثناء جلسة رسمية بحضور رئيس الحكومة. هذه الخطوة غير التقليدية أعادت فتح النقاش حول قدرة البرلمان على أن يكون لسان حال الشارع المغربي، وتحديداً في الملفات الحساسة مثل قطاع الصحة.فن الراب كأداة تعبير سياسي:
الراب، الذي وُلد في أحضان الأحياء الشعبية، كان دائماً صوتًا لمن لا صوت لهم، ومنبرًا لنقل نبض الشارع ومآسيه، واليوم نجده يعبر إلى قبة البرلمان. استعانة النائب البرلماني بكلمات أغنية راب ليست مجرد مزحة ثقافية، بل تعكس إدراكًا متزايدًا من بعض السياسيين بأن الخطاب الرسمي لم يعد كافيًا لفهم أو التأثير في المواطن المغربي. هذا التحول يرمز إلى تقاطع الفن والسياسة، حيث تُستخدم الكلمات الموزونة لإيصال رسائل غير مألوفة في القنوات المؤسساتية.
الواقع الصحي بالمغرب تحت المجهر:
ما جاء على لسان النائب يعكس شعورًا عامًا بالإحباط من الخدمات الصحية في المملكة، بدءًا من النقص في الأطر الطبية، ومرورًا بتدهور البنيات التحتية للمستشفيات، وانتهاءً بعدم تكافؤ فرص العلاج بين سكان المدن والقرى. كلمات "الراب" التي استعان بها لم تكن مجرد استعارة بل كانت وصفًا دقيقًا لمعاناة مواطن يبحث عن الدواء فلا يجده، ويطلب العلاج فيواجه أبوابًا موصدة.
الرسالة السياسية خلف الأسلوب:
وراء هذا الأسلوب الجريء، توجد رسالة سياسية عميقة: إن المواطن المغربي، وخصوصًا الشباب، فقد الثقة في اللغة الخشبية والخطاب الرسمي. أصبح يتفاعل أكثر مع التعبيرات الصادمة والصريحة التي تعكس واقعه اليومي بدون تلميع. وهنا، تأتي أهمية هذا التدخل البرلماني، ليس فقط لكونه مختلفًا، بل لأنه يعكس تحولًا في طرق تمثيل المواطنين والتحدث باسمهم.
ردود الفعل والانقسام:
كما كان متوقعًا، أثار تدخل النائب ردود فعل متباينة. فهناك من اعتبره إبداعًا محمودًا وتجديدًا للخطاب السياسي المغربي، بينما اعتبره آخرون تقليلاً من هيبة المؤسسة التشريعية. إلا أن المؤكد هو أن التدخل بلغ أهدافه الإعلامية بامتياز، حيث أعاد تسليط الضوء على وضع القطاع الصحي وأشعل نقاشًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي وفي الصحافة الوطنية.
ما حدث في البرلمان ليس مجرد "لقطة" إعلامية، بل هو مؤشر على تحول في الأساليب البرلمانية نحو مزيد من التفاعل مع الثقافة الشعبية. وبينما لا يمكن للفن أن يحل محل السياسات العمومية، فإنه قادر على تحفيز الحوار وإعادة صياغة الأسئلة الكبرى التي تؤرق المواطنين. ويبقى السؤال مفتوحًا: هل يكون هذا النهج بداية لبرلمان أقرب إلى نبض الشعب، أم مجرد حادث عابر في زمن الخطابات المكررة؟