تفاصيل أكبر اختراق إسرائيلي لحزب الله: قصة انفجار البيجر في لبنان



في يوم 18 سبتمبر 2024، شهد لبنان واحدة من أخطر الهجمات الاستخباراتية التي هزت صفوف حزب الله، حيث استهدفت أجهزة الاتصال اللاسلكية المعروفة باسم "البيجر" والتي كانت تستخدمها عناصر الحزب. هذه الأجهزة التي تعد وسيلة قديمة للتواصل كانت تُعتبر آمنة، بعيدًا عن مراقبة الأقمار الصناعية والأنظمة الإلكترونية الحديثة. ولكن في لحظة غير متوقعة، تحولت تلك الأجهزة إلى أدوات دمار، حيث انفجرت في آن واحد، ما أسفر عن إصابات خطيرة لأكثر من 4000 عنصر في الحزب

كيف بدأت القصة؟ وفقًا للشهود، كانت الأجواء عادية في منطقة الغبيري ببيروت، إلى أن تلقى أحد عناصر حزب الله رسالة عبر جهاز البيجر. وفي لحظة لا يمكن نسيانها، انفجر الجهاز متسببًا في بتر يده وإصابة وجهه بعنف. هذا الحدث لم يكن حادثًا منفردًا، بل تكرر بشكل متزامن في عدة مناطق أخرى حيث ينشط عناصر الحزب. مقاطع الفيديو التي انتشرت سريعًا على منصات التواصل الاجتماعي أظهرت حالة من الفوضى في المستشفيات التي امتلأت بأعداد كبيرة من المصابين، ما أثار الرعب والهلع بين السكان.

ما هو البيجر ولماذا يُستخدم حتى الآن؟ البيجر هو جهاز صغير كان يستخدم قبل انتشار الهواتف المحمولة، ويتمثل دوره الأساسي في استقبال الرسائل النصية القصيرة عبر موجات الراديو. وبينما قد يبدو هذا الجهاز قديمًا وغير ملائم للعصر الحالي، إلا أنه كان يُستخدم من قِبل حزب الله وبعض الجهات الأخرى لاعتباره أكثر أمانًا من الأجهزة الحديثة التي تعتمد على الإنترنت وشبكات الاتصالات الخلوية، والتي يسهل اختراقها أو تتبعها.

كيف تم اختراق البيجر؟ تتعدد الفرضيات حول كيفية اختراق هذه الأجهزة. الأولى تفترض أن إسرائيل زرعت فيروسًا متقدمًا في البيجرات، والذي تسبب في ارتفاع حرارة البطاريات بشكل مفاجئ، ما أدى إلى انفجارها. هذه الفرضية تعيد للأذهان الهجوم الإلكتروني الشهير بفيروس "ستوكسنت" الذي استهدف المنشآت النووية الإيرانية في عام 2010، حيث استخدم الفيروس تقنيات متقدمة لتعطيل أنظمة التحكم دون أن يلاحظ المشغلون وجود أي خلل.

أما الفرضية الثانية فتذهب إلى أن إسرائيل اعترضت شحنة من أجهزة البيجر التي كانت متوجهة إلى لبنان، وقامت بتفخيخها بمتفجرات صغيرة يمكن التحكم فيها عن بعد، ما جعلها جاهزة للانفجار في اللحظة المناسبة. ويشير بعض التقارير إلى أن الهجوم نُفذ على عجلة بعد اكتشاف أعضاء من حزب الله لهذا الاختراق، ما دفع إسرائيل إلى تنفيذ خطتها قبل أن يتم تعطيلها.

التداعيات السياسية والعسكرية هذا الاختراق لم يكن مجرد حادث أمني، بل كان له تأثير سياسي وعسكري كبير على حزب الله. فبينما كانت صورة الحزب بعد حرب 2006 تمثل رمزًا للمقاومة ضد إسرائيل، بدأ هذا الهجوم يبرز نقاط ضعفه، حيث أظهرت هذه العملية أن إسرائيل لا تزال متفوقة في الجانب الاستخباراتي وقادرة على توجيه ضربات نوعية دون الحاجة إلى مواجهات مباشرة.

ردود الفعل الشعبية على وسائل التواصل الاجتماعي، انقسم الرأي العام بين مشيد بالهجوم ومستاء منه. البعض رأى في الهجوم انتقامًا لعناصر حزب الله الذين شاركوا في الحرب السورية ودعموا نظام الأسد، بينما اعتبر آخرون أن الشماتة في إصابات وقتلى من العرب والمسلمين، حتى لو اختلفوا سياسيًا، أمر غير مقبول. الصحفي جمال ريان من قناة الجزيرة، مثلاً، عبّر عن رفضه للتشفي في مصاب حزب الله، مشيرًا إلى أن التركيز يجب أن يكون على العدو الرئيسي وهو إسرائيل.

مستقبل حزب الله في ظل هذا التطور إن حادثة البيجر تفتح الباب أمام تساؤلات كبيرة حول مدى قدرة حزب الله على حماية أفراده من الاختراقات التكنولوجية. كما أنها تعكس تحولًا كبيرًا في طبيعة الصراع بين الحزب وإسرائيل، من حرب مباشرة إلى معارك استخباراتية تعتمد على التكنولوجيا. حزب الله الذي كان يتمتع بشعبية واسعة بعد حرب 2006 يواجه الآن تحديات متزايدة في الحفاظ على هذه السمعة، لا سيما مع تزايد الانتقادات لدوره في النزاعات الإقليمية.

في النهاية، حرب البيجر ليست مجرد حادثة عابرة، بل قد تكون بداية لتحولات استراتيجية في المنطقة، حيث تستخدم التكنولوجيا القديمة والحديثة كسلاح في الصراعات الجيوسياسية.

1 تعليقات

أحدث أقدم