جريمة التهجير القسري للمغاربة من الجزائر سنة 1975: ذاكرة الألم ومسؤولية التاريخ
في خطوة جريئة تعيد إلى الواجهة واحدًا من أكثر الملفات إيلامًا في العلاقات المغربية الجزائرية، فتح أستاذ العلوم السياسية والمحلل السياسي عبد الرحيم المنار السليمي ملف التهجير القسري لآلاف المغاربة من الجزائر، والذي وقع في يوم عيد الأضحى سنة 1975. هذا الحدث الذي طُمر طويلًا في ركام الصمت السياسي والدبلوماسي، عاد ليطرح نفسه بقوة باعتباره جريمة إنسانية لا تسقط بالتقادم، وجب عرضها على أنظار القضاء الدولي، تكريسًا للعدالة وإنصافًا للضحايا.
جريمة في يوم العيد: طعنة في الظهر
يوم عيد الأضحى، الذي يفترض أن يكون يوم فرح ووئام وتضحية رمزية، تحول سنة 1975 إلى يوم مأساوي في ذاكرة آلاف العائلات المغربية المقيمة بالجزائر. فقد طُرد ما بين 35 و45 ألف مغربي من منازلهم ومصادر أرزاقهم بقرار سياسي انتقامي، بعد توقيع اتفاقية مدريد الثلاثية التي أنهت الاستعمار الإسباني للصحراء المغربية، وهو ما أثار حنق النظام الجزائري آنذاك.
تم التهجير بشكل مفاجئ وعنيف، دون احترام لأدنى حقوق الإنسان أو اعتبارات الجوار والدين، فاقتُلعت العائلات من جذورها، وتفرّق الشمل، وضاعت الممتلكات، وسُجلت حالات تمزق أسر، حيث فُصل الأب عن الأبناء، والزوج عن الزوجة، في مأساة إنسانية قلّ نظيرها في التاريخ الحديث.
الجريمة المركبة: انتهاك للإنسان والكرامة والقانون الدولي
ما وقع في سنة 1975 لا يمكن اختزاله في مجرد إجراء دبلوماسي أو إجراء سيادي كما يحاول البعض تبريره. إنّه تهجير قسري جماعي، يدخل ضمن الجرائم ضد الإنسانية، لأنه استهدف مدنيين على أساس هويتهم الوطنية، دون أي سند قانوني، بل في خرق صارخ للمواثيق الدولية، وعلى رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
لقد رافق التهجير مصادرة لممتلكات، وانتهاكات لكرامة الإنسان، وحرمان من الحق في لمّ الشمل، بل وحرمان أجيال لاحقة من التواصل مع ذويهم، وهو ما يجعل هذه الجريمة ذات طابع مركب، وأبعاد متجددة، لا تنحصر في لحظة زمنية واحدة.
ذاكرة لا تنطفئ… ومسؤولية لا تسقط
محاولة طمس هذه الجريمة أو التقليل من شأنها لن تجدي نفعًا، لأن الذاكرة الجماعية المغربية لا تنسى، ولأن المآسي المعلقة لا يمكن دفنها دون تحقيق العدالة. وقد أصاب الأستاذ عبد الرحيم المنار السليمي حين شدد على أن هذه الجريمة لا تسقط بالتقادم، وينبغي أن تُعرض على القضاء الدولي.
إن من حق المغرب، كدولة، ومن حق الضحايا وذويهم، أن يطالبوا بالاعتراف الرسمي بالجريمة، وجبر الضرر، ومساءلة المسؤولين عنها، سواء كانوا أحياء أو في سجل التاريخ. فالمصالحة الحقيقية بين الشعوب لا يمكن أن تبنى على النسيان القسري، بل على الحقيقة والعدالة.
نحو عدالة تاريخية وإنصاف إنساني
إن استعادة هذا الملف في الوقت الراهن لا تأتي من باب النبش في الجراح، بل من باب الوفاء للضحايا، وإعلاء لقيم الحق والعدالة. لا يمكن بناء علاقات سليمة ومتوازنة بين المغرب والجزائر في ظل استمرار التهرب من الاعتراف بالمسؤولية التاريخية والأخلاقية عن ما جرى.
وفي هذا السياق، تبرز أهمية تفعيل الآليات القانونية الدولية، سواء أمام محكمة العدل الدولية أو عبر المنظمات الحقوقية العالمية، لتوثيق الجريمة، والمطالبة بالتعويضات المعنوية والمادية، بل وحتى إدراج الملف في سجلات الأمم المتحدة كواحد من انتهاكات حقوق الإنسان في شمال إفريقيا.
الختام: من التهجير إلى التوثيق، ومن الألم إلى الإنصاف
ما وقع في عيد الأضحى سنة 1975 لم يكن حادثًا عابرًا، بل وصمة في جبين الإنسانية، وجريمة تندرج ضمن سياقات سياسية معقدة، لكنها لا تبرر أبدًا استهداف الأبرياء. إن فتح هذا الملف اليوم هو دعوة لضمير الإنسانية أن يصحو، وأن ينحاز إلى الحق، لا إلى الصمت.
ولا بد أن تتحول هذه المأساة إلى قضية وطنية تُوثّق، وتُدرّس، وتُحكى للأجيال القادمة، كي لا تتكرر، ولكي تبقى العدالة عنوانًا دائمًا في ذاكرة الشعوب.