."الصردي" في الجزائر: جدل يتفجر حول تهريب الثروة الحيوانية المغربية وتهديد للأمن الغذائي الوطني

."الصردي" في الجزائر: جدل يتفجر حول تهريب الثروة الحيوانية المغربية وتهديد للأمن الغذائي الوطني

يتصاعد الجدل في الأوساط الفلاحية وعلى منصات التواصل الاجتماعي في المغرب بعد انتشار مقاطع فيديو صادمة تظهر سلالة من الأغنام تشبه إلى حد كبير صنف "الصردي" الشهير، وهو أحد أبرز رموز الثروة الحيوانية الوطنية، في أسواق ومزارع جزائرية. هذا الاكتشاف أثار تساؤلات عميقة حول كيفية تسرب هذه السلالة خارج حدود المملكة، رغم القوانين الصارمة التي تمنع تصدير السلالات المحلية حفاظًا على الأمن الغذائي والسيادة الجينية.

"الصردي".. أكثر من مجرد خروف

ليس من المبالغة القول إن سلالة "الصردي" تجاوزت كونها مجرّد نوع من الأغنام، فهي ثمرة عقود من جهود تحسين النسل التي قادتها وزارة الفلاحة المغربية، واستثمرت فيها الدولة موارد ضخمة لضمان جودة لحومها وتكيّفها مع الظروف المناخية المحلية. هذا النوع يتميز ببنية جسدية قوية، وسرعة في النمو، ومرونة في التغذية، ما يجعله مثاليًا لسد حاجيات السوق المحلية، خاصة في المناسبات الدينية كعيد الأضحى.

وقد تحوّل "الصردي" في السنوات الأخيرة إلى "ماركة فلاحية" مغربية بامتياز، تُحاط بعناية علمية وتقنية فائقة، وتشكل ركيزة أساسية في المخطط الأخضر لتعزيز الأمن الغذائي.

تهريب أم تجارة رمادية؟

الصور القادمة من الجزائر تُظهر وجود قطيع يحمل سمات واضحة لسلالة "الصردي"، ما يفتح باب الشكوك حول عمليات تهريب غير قانونية عبر الحدود الشرقية. فالمنطقة المعروفة بنشاط شبكات التهريب أصبحت، على ما يبدو، مسرحًا لتهريب الثروة الحيوانية، وهو ما يُعدّ تهديدًا مزدوجًا: من جهة يُضعف مخزون المغرب من السلالات الأصيلة، ومن جهة أخرى يُعرّض هذه الموارد لخطر التهجين العشوائي والاستغلال خارج الضوابط العلمية.

الجهات المختصة لم تُصدر بعد بلاغًا رسميًا حول الحادث، لكن في أوساط المربين، هناك تذمر واستياء واضح، وسط دعوات لتعزيز الرقابة على الحدود وتطبيق صارم للقوانين.

السطو على الموارد الجينية: مساس بالسيادة

تسريب سلالة "الصردي" لا يجب النظر إليه فقط كعملية تهريب، بل كاستهداف مباشر لثروة جينية محمية، تندرج ضمن التراث الفلاحي الوطني. وتشير العديد من الأصوات الأكاديمية إلى أن ما يحدث هو بمثابة "قرصنة فلاحية"، تستهدف الإنجازات المغربية في مجال تحسين النسل الحيواني.

فالموارد الجينية الحيوانية تُعدّ اليوم من بين أسلحة المستقبل في معركة الأمن الغذائي العالمي، وامتلاك سلالات أصيلة ومحسّنة يمنح الدول قوة تفاوضية وتنافسية على مستوى الأسواق الزراعية، خصوصًا في ظل التغيرات المناخية والضغوط على إنتاج الغذاء.

أبعاد اقتصادية واجتماعية خطيرة

تسرب سلالة مثل "الصردي" إلى خارج البلاد يُهدد توازنات السوق الوطنية، وقد يخلق منافسة غير نزيهة، خاصة إذا تم تسويق السلالة نفسها أو نسخ هجينة منها في دول مجاورة بأسعار أقل. كما أن هذا الوضع يُحبط جهود المربين المحليين الذين يشتغلون في إطار القانون ويعتمدون على دعم الدولة.

وفي حالة تعميم هذه السلالة في الجزائر أو دول أخرى دون اتفاقات واضحة أو حماية للملكية الجينية، فإن المغرب قد يخسر واحدًا من أبرز عناصر تفوقه الفلاحي في شمال إفريقيا.

الحل: تحقيق، حماية، وتحرك دبلوماسي

في انتظار تحقيق معمّق يحدد مصدر هذا التسرب وخلفياته، يبدو أن الوقت قد حان لإعادة النظر في آليات حماية السلالات الوطنية. وهذا يشمل:

  • تعزيز المراقبة الحدودية، خصوصًا في المناطق المعروفة بتهريب المواشي.
  • تحديث نظام التتبع الجيني للسلالات، باستعمال تقنيات الذكاء الاصطناعي والرقمنة.
  • إطلاق حملة توعية وسط الفلاحين حول خطورة تهريب الأغنام الأصيلة.
  • التحرك دبلوماسيًا لوضع حد لأي استغلال خارجي غير مشروع للسلالات المغربية.

خاتمة: الثروة الحيوانية ليست للبيع

إن سلالة "الصردي" ليست مجرد مورد اقتصادي، بل هي تجسيد لنجاح مغربي في ميدان الزراعة المستدامة والتحكم في الأمن الغذائي. وما حدث اليوم هو ناقوس خطر يجب أن يوقظ الجهات المسؤولة، ويدفع نحو منظومة حماية أكثر صرامة لثرواتنا الجينية. لأن من يتحكم في البذور، في المياه، وفي السلالات… يتحكم في المستقبل.


إرسال تعليق

أحدث أقدم