ارتفاع صاروخي في أسعار "الدوارة" قبيل عيد الأضحى: بين نقص الماشية وإلغاء الذبح في بعض المناطق
مع اقتراب عيد الأضحى المبارك، الذي يُعد مناسبة دينية واجتماعية استثنائية في العالم الإسلامي، شهدت الأسواق المغربية ارتفاعاً غير مسبوق في أسعار "الدوارة" – وهي أحشاء الأضاحي المستعملة في إعداد عدد من الأطباق التقليدية خلال هذه المناسبة. فقد تجاوز سعر الكيلوغرام الواحد 700 درهم، في مشهد صادم للمستهلكين.
هذا الارتفاع الكبير يأتي في سياق معقّد، يتداخل فيه البعد الاقتصادي مع القرارات الإدارية، إلى جانب تحوّلات في البنية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع المغربي، خاصةً فئة الشباب.
محور أول: ندرة الماشية وقلّة العرض
أبرز العوامل التي ساهمت في الارتفاع المهول لأسعار الدوارة هو النقص الحاد في عدد رؤوس الأغنام والعجول المعروضة في الأسواق. وقد نتج هذا النقص عن عدة أسباب متراكمة، من بينها الجفاف الذي ضرب البلاد في السنوات الأخيرة، وارتفاع أسعار الأعلاف، ما دفع العديد من المربين إلى تقليص حجم قطيعهم أو حتى الخروج من مجال تربية الماشية نهائياً.
الطلب المرتفع مقابل العرض المحدود خلق خللاً واضحاً في السوق، وفتح الباب أمام المضاربات والاحتكار من طرف بعض البائعين الذين استغلوا الظرفية لتحقيق أرباح سريعة.
محور ثانٍ: قرارات إدارية وإلغاء الذبح في بعض المناطق
زاد من تفاقم الوضع قرار السلطات المحلية في عدد من المدن بإلغاء عمليات الذبح الجماعي في المجازر أو الساحات العمومية، وذلك لأسباب مختلفة منها تنظيمية، أو مرتبطة بالسلامة البيئية والصحية، أو حتى لتقليص التكاليف.
هذا القرار دفع العديد من المواطنين إلى العزوف عن ذبح الأضاحي، ما ساهم في تقليص عدد الذبائح وبالتالي حجم "الدوارة" المتوفرة في السوق. فباتت هذه المادة النادرة تُباع بأسعار خيالية، وأصبحت حكراً على من يملكون القدرة الشرائية المرتفعة.
محور ثالث: تحوّلات في سلوك الشباب ومكانة العيد
عامل آخر لا يمكن إغفاله يتمثل في تغيّر نظرة الشباب إلى عيد الأضحى. فبين من لا يرى جدوى اقتصادية من ذبح الأضحية، ومن يفضّل استغلال عطلة العيد للسفر أو الترفيه، تراجع الإقبال في صفوف الشباب على هذه الشعيرة، ما أثّر على الدورة الاقتصادية المرتبطة بها، خاصة في المدن الكبرى.
هذا التحول القيمي والثقافي، إلى جانب العوامل الاقتصادية، غيّر من معالم السوق وأعاد توزيع الطلب، حيث أصبح البعض يفضّل شراء أجزاء معينة من الذبيحة، مثل "الدوارة"، بدل ذبح خروف كامل.
خلاصة: بين الغلاء والتحوّلات.. العيد لم يعد كما كان
في ظل هذه التطورات، يبدو أن عيد الأضحى يمر بتحول جذري في المجتمع المغربي. فبين قرارات تنظيمية، ومشاكل اقتصادية، وتغيّر في العقليات، لم يعد العيد كما عهدته الأجيال السابقة. وأمام استمرار هذه الدينامية، يبقى السؤال مطروحاً: هل نحن أمام نهاية تدريجية لعادات راسخة، أم أن المجتمع قادر على إعادة التوازن بين التقاليد والتحديات الحديثة؟
وحتى ذلك الحين، تبقى "الدوارة" سلعة ثمينة، وربما حلماً بعيد المنال لكثير من الأسر، في وقت لم يكن يخطر على البال أن تصبح بقايا الذبيحة أغلى من لحمها!