رحيل عبد الحق المريني.. فارس الكلمة وحارس هيبة القصر

رحيل عبد الحق المريني.. فارس الكلمة وحارس هيبة القصر

فقدت المملكة المغربية اليوم أحد أعمدتها الرمزية، وركنًا من أركان الذاكرة الوطنية، برحيل عبد الحق المريني، مدير القصور والتشريفات والأوسمة، والناطق الرسمي السابق باسم القصر الملكي، عن عمر ناهز 91 عامًا.
رحل الرجل، لكن صوته سيظل محفورًا في الذاكرة، ولغته ستبقى مرجعًا، وهيبته ستظل مضرب المثل في الانضباط والوفاء لرمزية الدولة.

رجل الدولة.. رمز الوفاء والثبات

عبد الحق المريني لم يكن مجرد موظف سامٍ أو مسؤول رفيع، بل كان عنوانًا على مرحلة من الاستقرار المؤسسي في المغرب. شغل مناصب دقيقة في قلب الدولة، لكنه ظل دائمًا ظلًا هادئًا، متواضعًا رغم الثقل الكبير الذي يحمله.

ارتبط اسمه بالقصر الملكي لعقود، وكان شاهدًا على تحولات سياسية كبرى، وجسرًا يربط بين العراقة الملكية ومؤسسات العصر الحديث. عُرف بثقافته الواسعة، وانضباطه الشديد، وقدرته الفريدة على التوفيق بين واجب التحفظ وبلاغة التعبير.

ناطق رسمي بحكمة المؤرخ

حين نُصّب ناطقًا رسميًا باسم القصر الملكي، لم يكن مجرد لسان حال، بل كان صدى لهيبة المؤسسة الملكية. كانت كلماته موزونة، لا تزيد حرفًا ولا تُنقص فاصلة، لكنها دائمًا تصل إلى القلوب والعقول.
كان يعرف أن الكلمة في حضرة الملك مسؤولية قبل أن تكون وسيلة إعلام، ولذلك أدار تلك المهمة الحساسة ببراعة الروائي، ودقة المؤرخ، وحذر رجل الدولة.

مثقف من الطراز الرفيع

إلى جانب مسؤولياته الرسمية، كان الراحل مثقفًا نادرًا، وشاعرًا ينتمي إلى جيل من الرجال الذين جمعوا بين العلم والأدب، وبين البروتوكول والقصيدة.
ألف كتبًا ودواوين، وشارك في تأريخ مراحل مفصلية من تاريخ المملكة. وكان المرجع الأول في طقوس الدولة، والعين الساهرة على رمزية التشريفات المغربية المتجذرة في التاريخ.

رحيله خسارة وطنية

برحيل عبد الحق المريني، يفقد المغرب رجلًا من طراز نادر. ليس فقط لأنه ظل أمينًا على أسرار القصر، بل لأنه حافظ على سمو اللغة وهيبة البروتوكول، وحرارة الانتماء الوطني.
في زمن التهافت على الأضواء، ظل هو نموذجًا للرصانة، والوفاء، والعمل الصامت خلف الستار.

كلمة وداع

رحم الله عبد الحق المريني، الرجل الذي لم يكن مجرد اسمٍ في دفتر المناصب، بل كان جزءًا من ملامح الدولة نفسها.
نسأل الله أن يُلهم ذويه ومحبيه، وأن يتقبله في الصالحين.
"إنا لله وإنا إليه راجعون."


إرسال تعليق

أحدث أقدم