القضاء المغربي على مفترق طرق: عهد جديد من الحزم بقيادة هشام بلاوي

القضاء المغربي على مفترق طرق: عهد جديد من الحزم بقيادة هشام بلاوي

تشهد المؤسسة القضائية المغربية في الآونة الأخيرة دينامية غير مسبوقة، تُنذر بتحول جذري في بنيتها وآليات اشتغالها، وذلك بعد تعيين "هشام بلاوي" على رأس النيابة العامة. هذا التعيين لم يكن مجرد تغيير إداري عابر، بل يمثل، حسب مؤشرات عدة، بداية لمرحلة جديدة تتسم بالحزم والصرامة، خصوصًا في ما يتعلق بالتعاطي مع قضايا الفساد التي طالما شكلت أحد أعطاب التدبير العمومي في المملكة.

إشارات قوية من مؤسسة القضاء

منذ تسلمه لمهامه، أرسل هشام بلاوي إشارات واضحة تفيد بعزمه على القطع مع منطق التراخي الذي طبع فترات سابقة. فخلال أسابيع قليلة، لوحظ ارتفاع ملحوظ في وتيرة فتح الملفات المرتبطة بالفساد الإداري والمالي، سواء في الجماعات الترابية أو في الإدارات العمومية. هذا التحرك، وإن كان لا يزال في بداياته، يعكس رغبة المؤسسة القضائية في استعادة ثقة المواطنين، وتعزيز صورة العدالة كمؤسسة رادعة لا تهادن.

القضاء في مواجهة "لوبيات" الفساد

محاربة الفساد في المغرب لم تكن يومًا معركة سهلة، إذ تصطدم دوماً بواقع شبكات مصالح مترابطة، وأحيانًا محمية سياسياً أو إدارياً. غير أن ما يُميز التحرك الحالي هو ما يبدو أنه وجود إرادة صلبة في مواجهة هذه اللوبيات، سواء من خلال فتح ملفات ظلت عالقة لسنوات، أو من خلال توجيه تعليمات صارمة لقضاة النيابة العامة بالتحرك وفق منطق الاستباق لا التفاعل فقط.

منطق جديد: لا أحد فوق القانون

أحد أهم التحولات الرمزية في عهد هشام بلاوي هو كسر الصورة النمطية التي كانت تجعل بعض الفاعلين "خارج دائرة المحاسبة". فقد شملت التحقيقات الأخيرة أسماء محسوبة على مواقع القرار، وهو ما أعاد الأمل لدى فئات واسعة من المجتمع في إمكانية تحقيق عدالة حقيقية، لا تفرق بين مسؤول ومواطن بسيط، وتكرس مبدأ المساواة أمام القانون.

تحديات المرحلة: بين الطموح والمقاومة

رغم المؤشرات الإيجابية، إلا أن طريق الإصلاح القضائي في المغرب لا يزال محفوفاً بتحديات عدة، أبرزها مقاومة التغيير من داخل بعض الأوساط الإدارية والسياسية، فضلاً عن البطء في تنفيذ بعض الأحكام، أو غياب التنسيق الفعلي بين أجهزة الرقابة القضائية والهيئات العمومية الأخرى. كما تبرز الحاجة إلى مواكبة الحزم القضائي بإصلاحات تشريعية ومؤسساتية تضمن ديمومة التغيير.

 بوادر عهد جديد

ما يحدث اليوم في المؤسسة القضائية المغربية، بقيادة هشام بلاوي، يمكن اعتباره انطلاقة فعلية نحو تكريس دولة القانون والمؤسسات، بشرط أن يتم استثمار هذه اللحظة بكثير من الحكمة والحزم في آن واحد. فالقضاء ليس فقط آلية للزجر والعقاب، بل هو في العمق صمام أمان لتوازن المجتمع وضمان سيره نحو التنمية والعدالة الاجتماعية. وإذا ما استمر هذا النفس الإصلاحي بنفس القوة والوضوح، فإن المغرب سيكون أمام لحظة فارقة تُعيد الاعتبار للثقة في المؤسسات وتضع حداً حقيقياً للإفلات من العقاب.


إرسال تعليق

أحدث أقدم