رحيل سميحة أيوب: سيدة المسرح العربي التي خلدها الفن
في يوم الثلاثاء 3 يونيو 2025، أسدل الستار على فصلٍ مهم من تاريخ الفن العربي برحيل الفنانة المصرية القديرة سميحة أيوب عن عمر ناهز 93 عامًا. وبرحيلها، تفقد مصر والعالم العربي واحدة من أعمدته المسرحية والسينمائية، وسيدةً كرّست عمرها لخدمة الفن وقضاياه، حتى غدت رمزًا خالدًا في ذاكرة الإبداع العربي.
مسيرة فنية لا تُنسى
امتدت مسيرة سميحة أيوب لأكثر من سبعين عامًا، بدأت في أربعينيات القرن الماضي حين وقفت للمرة الأولى على خشبة المسرح، وهناك، وجدت موطنها الحقيقي. ومنذ ذلك الحين، لم تكن مجرد ممثلة، بل كانت روحًا تهب الحياة للنصوص، ووجهًا يحمل وجع الشخصيات وأحلامها، وصوتًا يعلو بالصدق الفني الذي لا يعرف التصنع.
قدّمت خلال مشوارها أعمالًا تعد من العلامات البارزة في تاريخ المسرح والسينما، وعملت مع أعظم المخرجين والكتّاب، من يوسف إدريس إلى سعد الدين وهبة، ومن كرم مطاوع إلى شادي عبد السلام. وكان حضورها الطاغي على المسرح يُشعر الجمهور بأنه أمام مدرسة قائمة بذاتها.
سيدة المسرح العربي
لم يكن لقب "سيدة المسرح العربي" مجرد مجاملة، بل استحقاق نابع من موهبة استثنائية، ووعي ثقافي عميق، وانضباطٍ صارم في التعامل مع الفن كرسالة لا مهنة فقط. قدّمت على خشبة المسرح عشرات العروض التي حُفرت في الذاكرة الجمعية للمتلقين، منها:
- السلطان الحائر
- الفتى مهران
- سكة السلامة
- الأرض لا تنبت الزهور
كما لعبت أدوارًا سينمائية وتلفزيونية جسدت فيها المرأة المصرية في مختلف صورها: القوية، والمنكسرة، والمتمردة، والمُحبة، ما جعلها قريبة من وجدان الناس على امتداد الوطن العربي.
دورها الريادي والإداري
لم تكتفِ سميحة أيوب بالتمثيل فقط، بل شغلت مواقع قيادية في مؤسسات فنية كبرى، حيث كانت مديرة المسرح القومي المصري في فترة من أخصب فتراته، ونجحت في استقطاب الطاقات الإبداعية الشابة وإعادة وهج المسرح إلى الحياة الثقافية المصرية. كما دافعت عن دور المرأة في المشهد الفني، وكثيرًا ما صرّحت بأن "الفن مرآة الأمة، وعلى المرأة أن تنظر فيه بجرأة."
إرثٌ لا يُمحى
برحيلها، لا ينطفئ الضوء، بل يزداد توهجًا في ذاكرة الأجيال. فقد تركت سميحة أيوب إرثًا فنيًا غنيًا، ليس فقط من خلال أعمالها، بل عبر تأثيرها على الممثلين والممثلات الذين تتلمذوا على أدائها، واستلهموا من التزامها الفني والأخلاقي.
ربما لا تعود سميحة أيوب لتقف على المسرح مجددًا، لكن صوتها سيظل يتردد في أروقة المسارح، وصورتها ستظل تطل من شاشات الذاكرة. أما روحها، فقد أصبحت جزءًا من روح الفن العربي ذاته.
وداعًا يا سيدة الفن
وداعًا لسيدةٍ لم تكن فقط فنانة، بل كانت وطنًا من الحكايات، ومدرسة من العطاء، وقامةً وقفت طويلاً كجبل لا تنحني للعواصف. وداعًا يا سميحة، فقد زرعتِ الجمال في أرضنا، وها نحن نقطف ثمارك دهشةً وامتنانًا.
رحمكِ الله، وأحسن مثواكِ.