العصر الجليدي القادم: بين دوران الأرض ويد الإنسان

العصر الجليدي القادم: بين دوران الأرض ويد الإنسان


في خبر وصفه العلماء بـ"الصادم"، أكدت دراسة حديثة من جامعة كارديف أن كوكب الأرض يتجه بالفعل نحو عصر جليدي جديد خلال الـ10,000 سنة القادمة، نتيجة تغيرات طبيعية في مدار الأرض حول الشمس. هذه النتيجة العلمية تأتي لتعيد الجدل حول العلاقة المتشابكة والمعقدة بين الظواهر الفلكية الطبيعية وبين تأثير الأنشطة البشرية المتسارعة التي قد تُغيّر مجرى هذا المصير المناخي الحتمي.

أولاً: ماذا يعني دخول الأرض في عصر جليدي جديد؟

العصر الجليدي هو فترة طويلة من الزمن، قد تمتد لعشرات الآلاف من السنين، تنخفض فيها درجات الحرارة على مستوى العالم، وتتوسع فيها الأنهار الجليدية لتغطي مساحات شاسعة من اليابسة. هذه الظواهر ليست جديدة، بل هي جزء من دورات مناخية عرفها كوكب الأرض عبر العصور، ويُعتقد أن آخر عصر جليدي انتهى قبل حوالي 11,000 سنة.

ثانياً: لماذا الآن؟ وما علاقة المدار؟

بحسب الدراسة، فإن التغيرات المدارية—المعروفة بدورات ميلانكوفيتش—تؤثر على كمية الطاقة الشمسية التي تصل إلى الأرض، مما يغيّر توزيع الفصول وقوة الأشعة الشمسية الواصلة إلى النصف الشمالي من الكوكب. هذه الدورات الطبيعية تحدث كل عشرات الآلاف من السنين، ووفق الحسابات الجديدة، فإننا نقترب من دورة تؤدي إلى تبريد عالمي طويل المدى.

ثالثاً: الدور الخطير للإنسان في كبح العصر الجليدي

قد يبدو غريباً أن الاحتباس الحراري الذي يُقلق العالم اليوم، قد يكون عاملاً في تأجيل أو حتى إلغاء هذا العصر الجليدي. فالانبعاثات الحرارية الناتجة عن النشاط البشري—وخاصة من الوقود الأحفوري—تؤدي إلى تخزين كميات هائلة من الحرارة في الغلاف الجوي، مما قد يُبقي درجات الحرارة مرتفعة ويعطّل التبريد الطبيعي المنتظر.

بمعنى آخر، قد يكون الإنسان تدخل بشكل غير مقصود في نظام مناخي عمره ملايين السنين.

رابعاً: مفترق طرق مناخي خطير

إننا نقف أمام مفترق طرق مناخي:

  • إما أن نواصل مسار التلوث والانبعاثات، فنواجه عالماً ترتفع فيه مستويات البحار وتزيد فيه الكوارث الطبيعية.
  • أو نقلّل من أثرنا المناخي، ونسمح للدورة الجليدية الطبيعية أن تأخذ مجراها، مع ما تحمله من تحديات مختلفة.

وفي كلا الخيارين، النتائج ضخمة وغير مسبوقة.

خامساً: كيف يجب أن نستعد؟

الرسالة الأهم في هذه الدراسة ليست فقط في التنبؤ بعصر جليدي قادم، بل في التأكيد على أن ما نفعله اليوم يؤثر على مناخ الأرض لعشرات الآلاف من السنين القادمة. لذا، لا بد من:

  • تعزيز الوعي البيئي والتقليل من الانبعاثات الحرارية.
  • الاستثمار في مصادر الطاقة النظيفة والمستدامة.
  • دعم البحث العلمي حول المناخ والتغيرات المدارية.
  • الاستعداد التكنولوجي والزراعي والمعيشي لأي سيناريو قادم، سواء كان حرارة خانقة أو برودة قاتلة.

بين دوران الأرض حول الشمس وبين تصرفات البشر على سطحها، يتحدد مستقبل الكوكب. الدراسة من جامعة كارديف ليست تحذيراً فقط، بل هي دعوة لإعادة النظر في علاقة الإنسان بالطبيعة. فالمستقبل المناخي لم يعد مسألة جغرافية أو فلكية فقط، بل هو مرآة لأفعالنا الجماعية اليوم.


إرسال تعليق

أحدث أقدم