**أزمة كرامة وهوية في مخيمات تندوف**
في مشهد مأساوي تختصره دمعةٌ وصرخة، سأل شقيق الضحية الضابط الجزائري الذي كان يوجه سلاحه إلى صدورهم: *"هل تريدنا أن نذهب إلى المغرب؟"* فجاءه الرد قاسيًا، مجردًا من أي شعور إنساني: *"إذهبوووو!"*
قد يبدو جواب الضابط صادمًا، لكنه في الحقيقة نتيجة طبيعية لنظام اعتاد أن يغذي الكراهية، لا أن يرعى الإنسانية. غير أن الألم الحقيقي لا يكمن في قسوة الرد بحد ذاته، بل في السؤال الذي سبقه؛ سؤال يكشف عمق الأزمة التي يعيشها الصحراويون في المخيمات: البقاء فوق التراب الجزائري لم يعد اختيار كرامة ولا قناعة بالانتماء، بل مجرّد نكاية في المغرب!
هذه الحادثة تفضح تحولاً خطيرًا في الوعي الجمعي داخل مخيمات تندوف. لم تعد الهوية مسألة انتماء حقيقي للأرض والناس والتاريخ، بل رهينة صراعات سياسية عبثية، تقايض الإنسان بكرامته وتحوّله إلى ورقة تفاوضية على طاولة لا تعترف بآلامه ولا بآماله.
أن تصل الأمور إلى هذا الحد يعني أن المخيمات فقدت رسالتها الأصلية – إن وُجدت أصلًا – وتحولت إلى سجون مفتوحة يعتاش عليها نظام لا يعنيه إلا إطالة أمد الأزمة. إن تحويل معاناة الناس إلى أدوات سياسية جريمة أخطر من كل المعارك العسكرية؛ لأنها تقتل الإنسان من الداخل، تسرق منه حلمه ومستقبله واسمه.
اليوم، بات واضحًا أن المشروع الحقيقي في تندوف لم يكن يومًا تحريرًا أو تقرير مصير، بل اختطاف أجيال كاملة داخل دائرة مغلقة من الكراهية، تُجردهم من حقهم في التفكير والاختيار، بل حتى من حقهم في الحلم بالكرامة.
لقد آن الأوان لأن يدرك هؤلاء أن الانتماء لا يُفرض بالسلاح، ولا تُبنى الهويات على أنقاض الكرامة. وأن تظل في مكان فقط لأنك تكره مكانًا آخر، هو أسوأ أشكال الشتات الداخلي.
إن الصرخة التي أُطلقت في لحظة ألم، يجب ألا تضيع في صخب السياسة، بل تكون بداية وعي جديد، وصرخة خلاص: أن يكون الإنسان حرًا، حيثما اختار أن يكون.
Tags
المجتمع